الكاتب: الحبيب بوعبد الله

إن الإشكالية المعرفية الأساسية التي تنتظم أبواب هذا الكتاب وفصوله هي إشكالية المعنى في بعدها الفلسفي والنقدي. وهي إشكالية أردنا استقصاء أشكال حضورها من خلال الكشف عن إطارها النظري الهرمينوطيقي من جهة، ومن خلال مقاربة نصوص متنوعة في جنسها ونمطها من أدب و نقد وفكر، جامعة في أفقها الزمني بين الماضي و الحاضر ، وبين التراث و الحداثة. وكانت مغامرة البحث في الكتاب قائمة على رؤية تأويلية حداثية ترى في الكتابة نفسها " مغامرة لغوية" وتجد في النص مهما كان نوعه (شعر ونقد وفكر) أو زمنه ( قديم وحديث ومعاصر)أفقا خصيبا لإثارة سؤال المعنى في علاقته برهان الفهم الذي تسعى التأويلية إلى تحقيقه. فمن أبستمولوجيا الفهم إلى أنطولوجيا الفهم كان مسار الهرمينوطيقا عبر تاريخها الطويل في التعامل مع شتى النصوص بمختلف أجناسها وأنواعها المقدسة والأدبية والقانونية والفكرية وغيرها، بحثا عن آفاق جديدة تؤطر عملية الفهم أو تعيد بناءه م جديد قصد تحقيق غاية قصوى هي فهم الإنسان لذاته وللآخر وللعالم، انطلاقا من فهمه للنص الموجود ولنص الوجود. ومن هنا كانت " الهرمينوطيقا فلسفة عوّضت أسئلة التفكّر بأسئلة الفهم". إن الرهان الآخر الذي يسعى هذا الكتاب إلى تحقيقه عبر قسمه الإجرائي هو أن يكون حافزا إلى مزيد التفكير في خصوصية الوضع النظري و المعرفي للتأويل عند العرب .لذلك حاول الباحث استنطاق جملة من النصوص اتصل أغلبها بنماذج من " شروح الشعر العربي القديم" بوصفها منوالا نصيا ونقديا اختبر من خلالها بعض ملامح خصوصية وضع التأويل في تراثنا الأدبي و النقدي لينتهي في الأخير إلى التساؤل عن إمكانية توسيع المدونة بمختلف متونها التراثية ( نحو وأدب شعرا و نثرا، وفقه وتفسير وفلسفة وتصوف...) بحثا عما يمكن أن يشكل أصولا معرفية لنظرية تأويلية عربية. إن الكتاب في الأخير يطمح إلى أن يكون " مشروع قراءة" يهفو إلى تضافر جهود الباحثين المهتمين بقضايا النص و التأويل في مختلف التخصصات المعرفية قصد محاولة بناء تأويلية عربية تكون منغرسة في تراثها ومتأصلة في ثقافتها و متطلعة لمستقبلها و حداثتها، وتراهن، من جملة ما تراهن عليه أيضا، على بناء عقل نقدي تأويلي يقوّض تلك الأشكال العتيقة و العقيمة في التعامل مع النصوص والأفكار والرؤى، ويؤسس لأطر جديدة للفهم تعيد في ضوئها بناء المعنى وتجدد إنتاجه، وتكون تبعا لذلك متجاوزة لكل مظاهر التعصب و الانغلاق و الغلوّ، منفتحة على عوالم الممكن و المتعدد والمختلف