الكاتب : د.محمد العادل لطيّف
يمثّل القرن الرابع للهجرة ذروة التناقضات الفكرية وأوج الصراعات السياسية والمذهبية الدينية بكامل المجال المغاربي. نزاع متشابك الاصول والفروع,بين مالكية وإباضية أهل الحق والاستقامة وخوارج صفرية وشيعة إسماعيلية. بين الاغالبة والرستميين والفاطميين, بين الوهبية والنكارية, وبين أهل السنة المالكيين والأحناف ومعتزلة واصلية... صراع اتخذ أحيانا صبغة عرقية بين العرب والبربر أو دينية بحتة بين المسلمين واليهود... وفي خضمّ هذا اصراع انبجس في العقد الثاني من القرن الرابع هجري أمل جديد ساكن هادئ لا يبتغي الا طلوع الشمس في أمان لأهل وسكان الجزيرة, جسّدته بعض الذوات الفارقة والاستثنائية في تاريخ الناس: أبو مِسْور اليهرانسي وإبنه فَصيل وتلميذه أبو عبد الله محمد بن بكر. هؤلاء هم الآباء المؤسسون المنشؤون المبدعون, هؤلاء هم أوائل العزّابة, هم من وضع النهج وخطّط وسطّر وكتب وأغدق وجاد... فمنحوا حياتهم من أجل نشأة جيل وأجيال أخرى أصبح بإمكانها العيش أفضل من أجدادها في سلام نسبي قابل للتعايش مع غيرهم, ليس بالجزيرة فحسب, بل بكلّ المجالات التي نجدهم بهم الآن: بلاد الجريدة وجبال دمّر بالجنوب التونسي ووادي ميزاب ووجلان وأريغ بالجزائر نفوسة بليبيا.فلهم مني كل الاعتراف بالجميل والعرفان مع الودّ والاحترام.